هذا الإصحاح هو إصحاح الخدمة التي أساسها تمتع الخادم بالمسيح. فمن شعر بحلاوة عشرة المسيح لا يستطيع أن يهدأ إن لم يعرفه كل واحد (رو2:9،3+ 2كو29:11) ومن الناحية الأخرى يرى الآخرين النفس التي تمتعت بالمسيح ويشتمون رائحة المسيح التي فيها فينجذبون للمسيح. ونجد العروس هنا بعد أن تأكدت الألفة بينها وبين عريسها أخذت تفاوضه في أمر أهلها، فأوصته بأختها الصغيرة (كنيسة الأمم غير المؤمنة وهنا نجد [1] العروس تشتاق بالأكثر لعريسها. [2] ولكنها من خلال حبها له أصبحت تفكر في الآخرين.
وبهذا صارت تشبه عريسها الذي أخلى ذاته لينزل إلينا ويفتش علينا.
آية (1): "ليتك كأخٍ لي الراضع ثديي أمي فأجدك في الخارج وأقبلك ولا يخزونني."
ليتك كأخٍ لي= إذ كان هذا الإصحاح هو إصحاح الخدمة، نجد أن الخادم عليه أولاً أن يتمتع بمسيحه عريس الكنيسة. وهذا النداء هو نداء كنيسة العهد القديم للرب يسوع ليتجسد. "ويكون بكراً بين أخوة كثيرين" (رو29:
. وهو نفس النداء الذي ردده إشعياء بعد ذلك "ليتك تشق السموات وتنزل" (إش1:64). الراضع ثديي أمي= أي العروس تشتاق أن يكون الرب المتجسد شقيقاً لها (رو29:
. وقد حدث هذا فعلاً وَوُلِد المسيح متجسداً وصار إنساناً كاملاً ورضع من العذراء مريم التي صارت أماً للكنيسة جسد المسيح. وأقبلك ولا يخزونني= فبعد التجسد وبعدما رأيناه من عمل المسيح العجيب دخلنا معه في علاقة حب. والبنت لا يصلح لها أن تقبل غريباً أمام الناس في الخارج. والآن بعد عمل المسيح صارت الكنيسة كارزة بهذا الحب أمام الجميع الذين في الخارج. فكنيسة العهد القديم كانت كنيسة منغلقة غير كارزة أما كنيسة العهد الجديد فأعلنت حبها لمن تجسد لأجلها أمام الجميع بدون خزي.
آية (2): "وأقودك وادخل بك بيت أمي وهي تعلمني فأسقيك من الخمر الممزوجة من سلاف رماني."
بيت أمها= الكنيسة. فهناك تتعلم كيف تقابل حب المسيح بحبها. وهناك تنكشف لها أسراره السماوية. فحين ترد الحب بالحب فكأنها تسقي المسيح من خمر حبها ليفرح. وحبها هذا ممزوج بعصير= سلاف رماني= أي استعدادها لبذل حياتها حتى الدم مثله. وإذا كانت ثمارها رمان (13:4) فما يفرح المسيح محبتها الباذلة أي تتشبه به.
الآيات (3،4): "شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني. أحلفكن يا بنات أورشليم ألا تيقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء."
لماذا تذكر هذا ثانية؟ في الأولى نفس تتعرف على المسيح وتتألم في العالم والثانية نفس خادمة تتألم في الخدمة. شماله تحت رأسي= هنا هي متاعب الخدمة فهي نزلت لتخدم ولكن هناك تعزيات في علاقتها الخاصة. ومرة أخرى فهي لا تريد أن تزعج حبيبها بمشاكل الخدمة (بأن تيأس بسبب المشاكل) بل تنشغل بتسبيحها واثقة في تتدخله في الوقت المناسب.
آية (5): "من هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها تحت شجرة التفاح شوقتك هناك خطبت لك أمك هناك خطبت لك والدتك."
من هذه الطالعة= العالم هنا يتعجب لسمو الكنيسة وسيرتها التي في السماويات ورفضها للعالم بملذاته وكرازته وشهادتها له حتى الموت. ولكن كل هذا لأنها مستندة على حبيبها تحت شجرة التفاح شوقتك= التفاح قلنا عنه أن يشير لجسد المسيح الذي أعطاه لنا مأكلاً ولذلك شبهت العروس عريسها بالتفاح وسط شجر الوعر (3:2). فما هي شجرة التفاح. هذه هي الكنيسة بأعضائها الذي صار كل واحد منهم عضواً في جسد المسيح، صرنا أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه (أف30:5). وكل نفس تدخل للكنيسة سواء بالمعمودية أو بالتوبة بعد ذلك (لأن التوبة معمودية ثانية) تشوق المسيح لها. هو اتخذ له جسداً لأنه كان يشتاق لعروسه، وهو يبذل جسده لكل نفس تائبة تتغذى عليه فهو يعطي لغفران الخطايا. فالنفس تشوق المسيح بتوبتها وبطهارتها وولادتها الجديدة.
هناك خطبت لك أمك= هناك أي تحت شجرة التفاح. فلم يكن هناك خطبة بين العريس وعروسه إلا على أساس التجسد. ولننظر المهر المدفوع للعروس (11:3) فالمهر كان دمه الذي سال بهذا الإكليل وغيره من الطعنات التي طعن بها. هنا الأم هي الشعب اليهودي الذي خرج منه المسيح ثم صلبه، وهي أي الأم بهذا خطبت له كنيسة جديدة لتصير عروسه. هناك خطبت لك والدتك= والدتك مترجمة "التي حملت بك" أو حملتك. هنا الإشارة لكنيسة العهد الجديد التي مازالت تقول مع بولس الرسول "خطبتكم لرجل واحد" (2كو2:11). وهي كنيسة ولود، وتحمل المسيح فيها. وبسبب التجسد= تحت شجرة التفاح= أمكن للكنيسة أن تصبح أماً ولود تلد أولاداً لله. فالمسيح ولد جسدياً لنولد نحن روحياً. الكنيسة مازالت تقدم كل يوم لله أولاداً وللمسيح عرائس يخطبهن كعذارى مكرسين أنفسهم له.
آية (6): "اجعلني كخاتم على قلبك كخاتم على ساعدك لأن المحبة قوية كالموت الغيرة قاسية كالهاوية لهيبها لهيب نار لظى الرب."
نجد في هذه الآية أقوى عبارات تُصوِّر حب العروس لعريسها. إجعلني كخاتم على قلبك= الخاتم يحمله الشخص إما على صدره مدلّى من رقبته، أو هناك من يحب شخص فيضع صورته على صدره أو على ساعده في سوار. والأقرب للتصور، فهناك طريقة قديمة ومازالت مستخدمة، بإذابة الشمع ثم وضع الختم على الشمع المذاب فيتشكل بشكل الختم. وهذه العروس جعلها حبها القوى أن تشتعل وتذوب، وأين تريد أن يضعها حبيبها؟ على قلبه. هي تريد أن تملأ قلب حبيبها كله، فلا يستطيع أحد أن يقترب إليها ويمحو اسمها من أمام وجه الله. والختم عن طريق الشمع الذائب تختم به الأوراق الهامة حتى يظل محتواها سرياً، وهي تريد أن تكون علاقتها بحبيبها سرية لا يعرفها أحد، هو يملأ كل قلبها، وهي تملأ كل قلبه، ولا أحد يعرف هذه العلاقة. والشمع المذاب يتشكل بحسب صورة الختم. ونحن مختومين بختم الروح القدس ليتصور فينا المسيح ونأخذ صورته (أف30:4+ 2كو21:1،22+ غل19:4) كخاتم على ساعدك= قال الله "نقشتكم على كفي" لإظهار رعايته. ولكن هذه العروس التي اشتعلت حباً تريد أن تكون في قلبه مركز عواطفه وليس هذا فقط بل على ساعده مركز العمل لتعمل معه، لا بل بقوته. وإذا فهمنا أن الساعد يشير للمسيح "استيقظي استيقظي إلبسى قوة يا ذراع الرب" (إش9:51) نفهم أن النفس تريد إتحاداً كاملاً مع المسيح المتجسد. وهذه الدالة في طلبها نابعة من المحبة القوية كالموت= كان أقوى شئ. قبل المسيح هو الموت، فأخذ كمثال كأقوى شئ، فكل جبار مهما زادت عظمته وجبروته هُزِمَ أمام الموت. (بعد المسيح تغيرَّ هذا فقيل "أين شوكتك يا موت"). والعروس هنا تود أن تقول أن حبها قوياً جداً كأقوى شئ أي الموت، بل حتى الموت لا يستطيع أن يوقف حبها له (رو38:8،39). والموت قوي جداً في التدمير، أما الحب فقوي جداً في الإنقاذ والخلاص، ولا شئ يوقف أو يبطل هذا الحب. والغيرة قاسية كالهاوية= النفس التي تحب لو شعرت أن حبيبها سيتركها تفضل أن تلقى في الهاوية أو القبر عن أن يتركها. ومن أشعل هذا اللهيب هو الرب= لهيبها لهيب نار لظى الرب وهكذا حل الروح القدس على شكل ألسنة نار وسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5).