-1- سرّ الكهنوت في تدبير الخلاص.
يعلّم التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية عن سرّ الكهنوت، ما بين الأعداد 1536 و 1600 ويشرح كل ما يتعلّق بهذا السرّ من مفاهيم ومن مفاعيل ومعطيات، نوردها باختصار:
أ- الكهنوت في العهد القديم:
الشعب الذي اختاره الربّ اقام له مملكة من الأحبار وأمّة مقدّسة كما يقول سفر الخروج. والله اختار واحداً من شعب اسرائيل من الأسباط الإثني عشر، لاوي، ليكون فرزه للخدمة الليتورجية وجعل هذا ميراثاً له. وكان طقس خاص لتكريس الكهنوت في العهد القديم منذ جذوره كان كل حبر يقام لدى الله من اجل الناس ليقرب القرابين والذبائح كفارة للخطايا. (عبراننين5/ 1).
الكهنوت أقيمَ لإعلان كلمة الله ولإعادة الشركة مع الله من خلال الصلاة والذبائح. وبقي قاصراً على تحقيق الخلاص، وبحاجة لتقديم الذبائح دون انقطاع. ولم يوفر للإنسان القداسة الراسخة الا عندما تحقق بذييحة المسيح. ليتورجيا الكنيسة تتوسم بكهنوت هارون والخدمة اللاوية، وبهيئة السبعين شيخ الذين يخبرنا عنهم سفر العدد 11، رموز للخدمة الكهنوتية في العهد الجديد. ولذا في صلوات الافتتاح في السيامة الاسقفية تعتبر الله ابا كوّن الكنيسة منذ العهد القديم عندما اقام الرؤساء والكهنة ودبر من يقومون بخدمة المذبح.
ب- كهنوت المسيح الأوحد:
كل رموز العهد القديم اكتملت بيسوع المسيح الوسيط الوحيد بين الله والناس (رسالة مار بولس الى تيموتاوس). هو كاهن الله العليّ الحبر البريء القدوس الذي لا عيب فيه. هو المقدس الذي يجعلنا مقدسين بقربان واحد. ذبيحة المسيح تمّت مرّة واحدة وهي ماثلة دوماً في ذبيحة القربان هي كهنوت المسيح الكاهن الحقيقي الأوحد. وليس الكهنة سوى خدمة له. وتوجد طريقتان للإشتراك بكهنوت المسيح الآوحد: كهنوت الخدمة الراعوية او الكهنوت الترابي الذي يمارسه الأساقفة والكهنة، وما نسميه الكهنوت العام ويحصل عليه كل معمّد.
بالمعموديّة كل إنسان يُمسح مسحة الكهنوت. الكهنوت الخاص الذي هو سرّ يُمنح فقط بالسيامة الكهنوتية. ليس الأمر كهنوتَين بل طريقتين للإشتراك بكهنوت المسيح، هما كهنوت واحد جوهري هو كهنوت الكاهن الأوحد يسوع المسيح. إذاً في شخص يسوع الرأس من خلال الخدمة التي يقوم بها الخادم المرسوم للخدمة، يحضر المسيح نفسه رئيس الجسد السرّي، راعي القطيع، الكاهن الأعظم لذبيحة الفداء، معلّم الحق. الكاهن بقوّة سرّ الكهنوت يعمل في شخص المسيح الرأس لذا الكاهن يرأس الذبيحة وكل الخدمة الكهنوتية من خلال الأسرار، كاهن العهد الجديد يعمل بشخص يسوع المسيح.
ج- كهنوت بإسم الكنيسة:
هذا لا يعني ان الكهنة منتدبين بل ان الكاهن يقيم صلاته، يحتفل بالعبادة باسم كل الكنيسة. الكنيسة تصلّي تقرب ذاتها في وحدة الروح القدس ومعه وفيه الى الله الآب من خلال الخادم اي الكاهن.
-2- الدرجات الثلاث في سرّ الكهنوت:
الله يوزّع السرّ على درجات متنوّعة بين الأساقفة والكهنة والشمامسة. بعضهم يعتبرون فقط اول درجتين بدون الشمامسية. المهم ان يمنحوا فقط بواسطة سرّ واحد سرّ السيامة او سرّ الرتبة.
أ- السيامة الأسقفية:
بين الخدم المختلفة التي تمارَس في الكنيسة منذ ايامها الأولى تحتّل المكان الأول وظيفة من أُقيموا أساقفة. وهم في تسلسلهم توجد خلافة متصلة منذ البدء مع الرسل. حتى يقوموا بمهمتهم السامية، المسيح اغناهم بفيض خاص من الروح القدس نزل عليهم وضع عليهم الأيدي ومنحهم موهبة الروح القدس التي ما زالت حتى اليوم تنتقل خلال السيامة الى الأساقفة.
يقول المجمع الفاتيكاني الثاني ان السيامة الأسقفية تعطي ملء سرّ الكهنوت. حتى أن آباء الكنيسة يسمّونه ذروة الخدمة المقدّسة. السيامة الأسقفية تولي الأسقف مهمة التقديس والتعليم والتدبير القيادي. بقوة السيامة الأسقفية وبالشركة التسلسلية مع الجسم الأسقفي وأعضائه يكون الأسقف عضواً في الجسم الأسقفي. والهيئة الأسقفية تظهر طبيعتها الجماعية بممارسات متعدّدة معروفة في الكنيسة. الأسقف هو القاضي على ابرشيته وهو الرباط الحسّي الأعلى في شركة الجماعة التي يرأسها ويحمل همّها. الأسقف مسؤول عن تعليمهم والسهر على حسن التعليم هو قائد هذا الشعب والرئيس المنظور لهذه المجموعة من البشر.
ب - الكهنة هم معاونو الأسقفة:
إن الأساقفة قد سلموا بعضاً من اعضاء الكنيسة بوجه شرعي وبتفاوت في الدرجة مهام خدمتهم (المجمع الفاتيكاني الثاني) وقد انتقلت وظيفة الأساقفة الرعائية الى الكهنة. فقد أقيم هؤلاء في الكهنوت اعواناً للأساقفة في تأدية الرسالة التي سلّمها المسيح إليهم. وظيفة الكهنة تشركهم بحكم اتحادها بالدرجة الأسقفية بالسلطة التي اعطاها المسيح. كهنوت الكهنة يعطى بواسطة سرّ خاص يسمهم وسماً مميزاً بمسحة الروح القدس ويصير الكاهن على شبه المسيح الكاهن ويجعله يعمل باسم المسيح الرأس بالذات.
الكهنة لا يملكون مثل الأساقفة المهمة الحبريّة العليا، هم يخضعون للأسقف في ممارسة سلطته، متّحدين معه بالكرامة الكهنوتية. بالتكرّس الكهنوتي يحصل الكاهن على سلطان التبشير بالإنجيل يرعى المؤمنين يقيم الشعائر الدينية بكونه الكاهن الحقيقي للعهد الجديد. الموهبة الروحية التي ينالها الكاهن بالرسامة تعدّه للرسالة ضمن رعيتهم، يمارسونها بتأدية فرائض العبادة بالتجمّع الافخارستي بالقداس وكل الأسرار التي يمنحونها.
ج- رتبة الشمامسة:
تأتي من كلمة مشامشونو بالسريانية ومعناها الخادم. هم الأشخاص الذي يرسمون بوضع الأيدي، إنّما ليس بقصد الكهنوت بل بقصد الخدمة. كثيرون يبقون شمامسة دائمون وظيفتهم ان يعاونوا الكاهن والأسقف في الكثير من الشؤون الراعوية والتدبيريّة وغيرها من الأمور. يشتركون اشتراكاً مميّزاً برسالة المسيح ونعمته، السيامة تطبعهم بوسم لا يبلى. يساعدون الأساقفة والكهنة في إقامة الأسرار، يساعدون في توزيع القربان، يحضّرون عقد الزواج ويباركوه إذا حصلوا على التفويض، يعلنون الإنجيل ويعظون، يرأسون صلاة الجناز وينفرّغون لكل أعمال المحبّة في الرعيّة التي يتواجدون فيها.
- 3 - مَن يمنح السرّ؟
القوانين حول خادم الرسامة المقدسة: الأسقف وحده يمنح الرسامة المقدسة منحاً صحيحاً بوضع اليدين وبالصلاة التي أقرتها الكنيسة. الرسامة الأسقفية محفوظة على قاعدة الشرع للحبر الروماني او للبطريرك او للمتروبوليت بحيث لا يجوز لأي اسقف أن يرسم أي اسقف ما لم يتضح من قبل أنه انتدب لذلك انتداباً شرعياً. عادة يقوم برسامة الأسقف 3 أساقفة باستثناء حالة الضرورة القصوى ويمكن أن يكون الأسقفان الثاني والثالث من كنيسة أخرى مستقلّة إذا تعذّر أن يكونا هما والأسقف الأول من نفس الكنيسة.
يرسم المرشّح للشمامسية الإنجيلية أو الكهنوت اسقفه الأبرشي الخاص أو أسقف آخر مزوّد برسالة اطلاق سبيل شرعية. يحظر على الأسقف أن يحتفل بالرسامة المقدسة في أبرشيّة غريبة بدون اذن الأسقف الأبرشي.
- 4 - الاحتفال بسرّ الكهنوت:
نظراً لأهميته يُحتفَل به خلال قداس. الرتبة تلي الاحتفال بالافخارستيا ومفضل أن تكون يوم أحد أو عيد ليتسنّى للناس المشاركة. الطقس الجوهري في سرّ الكهنوت في الدرجات الثلاث قوامه امر مهم جدّاً وهو أن يضع الاسقف يده على رأس المرتسم ويصلّي صلاة التكريس الخاصة التي يطلب فيها من الله أن يحلّ روحه القدس ومواهبه على الإنسان المرتسم. في الرتبة الاسقفية البطريرك يضع يده على الأسقف، في الكهنوت يضع يده على الكاهن وفي الرتبة الشمامسية يضع الأسقف يده على المتسّم شماساً.
توجد طقوس ملحقة بعد السيامة التي ستتم، قبل وضع اليد يتم تقديم المرشّح الذي تمّ اختياره وبركة الأسقف. في الطقس اللاتيني توجد نوع من الأسئلة تُطرح على المرشّح للسيامة ثم تتلى طلبات جميع القديسين. في الطقس الشرقي الكاهن أو المرتسم يعلن فعل الإيمان من تحضيره ويعلن الإيمان عامة بصلاته لقانون الإيمان. يليه وضع اليد، وتأتي مجموعة من الطقوس الرمزية تُظهر أن السرّ اكتمل: مسح الأسقف والكاهن بالزيت المقدّس فهما سيمسكان المسيح وسيعملان باسمه فقد تقدّسا وجاد عليهما الروح القدس بمواهبه.
ويسلّم الأسقف كتاب الإنجيل والخاتم والتاج والعصا رمزاً لمسؤوليته الأسقفية الرسولية للتبشير بكلمة الله. العصا عصا الرعاية، التاج رمز للأبرشية التي سيسهر عليها والخاتم رمز السلطان والأمانة التي هو مدعو أن يعيشها مع ابرشيته.
الكاهن يسلم الصينية والكأس ويضعهما على رأسه ويقوم بزياح رمزاً لكونه اصبح يقدم عن الشعب وسيكرس للشعب القربان.
والشماس يسلّم كتاب الإنجيل ويقوم بزياح فهو قد مُنحَ السلطان للتبشير بكلمة الله.