أوصَدْتُ باب غرفة النوم، واتَّكأتُ بظهري عليه وصرختُ: ”لماذا حِمْلي هكذا ثقيل؟ أَلاَ توجد راحة في هذه الدنيا“؟ وكنتُ متوتِّرة حتى أني تعثَّرتُ في سريري ووقعتُ عليه، وشددتُ الوسادة حول أُذنيَّ حتى لا أسمع الضوضاء التي تعتمل في نفسي! وصرختُ إلى الله: ”دعني، يا رب، أن أنام. دعني أنام للأبد ولا أستيقظ أبداً“! وبنشيج من البكاء حاولتُ أن أُدخل نفسي في نسيان لكل شيء، ورضيتُ بالظلمة التي أحاطت بعقلي.
وإذا بنور يحيط بي فأستعيد وعيي، وإذ بحثتُ عن مصدره وجدتُه: شخص إنسان يقف أمام صليب، وسألني هذا الشخص: ”يا ابنتي، لماذا تريدين أن تأتي إليَّ قبل أن أكون قد قررتُ أن أدعوكِ“؟ فرددتُ متلعثمة: ”يا رب، أنا آسفة، إنه مجرد ... لن أفعل ذلك ثانية. أنت ترى كم أن الأمر قاسٍ عليَّ. انظرْ إلي كل هذا الحِمْل المرعب المُلقَى على ظهري. أنا غير قادرة على حَمْله فيما بعد“.
- ”ولكن ألم أدعوكِ أن تُلقي بكل أثقالك عليَّ، لأني أنا أعتني بكِ؟ إن نيري هيِّن وحِملي خفيف“.
- ”أنا أعلم، يا رب، أنك قلتَ هذا، ولكن لماذا حِمْلي أنا بالذات ثقيل إلى هذا الحدِّ“؟
- ”يا ابنتي، إن لكل واحد في هذا العالم حِمْله، ربما تفكِّرين أن تجرِّبي حِمْلاً آخر“؟!
- ”نعم، أنا أُريد ذلك“.
وأشار إلى أحمالٍ متعددة مُلقاة عند قدميه، وقال لي: ”جرِّبي أيّاً منها“!
كانت كل الأحمال ذات حجمٍ متساوٍ. ولكن كان لكل حِمْلٍ بطاقة عليها اسم صاحبها. فقلتُ له: ”هذا حِمْل مريم“. كانت مريم متزوِّجة برجل أعمال غني. وكانت تعيش في فيللا كبيرة، وتُهنْدم بناتها بأجمل الملابس. وكانت تأخذني معها أحياناً في سيارتها الكاديلاك إلى الكنيسة حينما كانت سيارتي المتواضعة متعطِّلة.
فقلتُ: ”إليَّ بهذا الحِمْل لأُجرِّبه“! وتساءلتُ في نفسي: ”تُرَى كيف سيكون حِمْلها صعباً“؟ ونزع الرب عني حِمْلي واستبدله بحِمْل مريم، ووضعه على كتفيَّ. وإذا بي أنوء بالحِمْل الجديد وأحني ركبتيَّ تحت ثِقَله. فقلتُ: ”لا، يا رب، ارفعه عني... ما الذي يجعله هكذا ثقيلاً“؟ فردَّ: ”انظري بداخله“.
فأخذتُ أفكُّ الأربطة وأفتحه. فوجدتُ بالداخل شخصية حماتها، وحينما رفعتُها سمعتها تقول: ”يا مريم، أنتِ لا تصلحين زوجة لابني، وما كان ينبغي عليه أن يتزوَّجكِ. أنتِ أيضاً أمٌّ قاسية على أحفادي“. وأسرعتُ ورددتُ هذه الشخصية في داخل ”البؤجة“، وأخرجتُ عنصراً آخر. إنها ”دونَّا“، الابنة الصغرى لمريم؛ فرأسها كان مربوطاً بأربطة من جراء عملية جراحية في مخِّها فشلت في علاج مرض الصرع الذي عندها. ثم أخرجتُ عنصراً آخر في حياتها، إنه شقيق مريم؛ كان مُدمناً للمخدرات، وكان قد اتُّهم بقتل أمين شرطة.
فاتجهتُ بالحديث نحو الرب وقلتُ له: ”إني أعرف الآن لماذا حِمْلها ثقيل جداً هكذا. لكني، ويا للعجب، أراها دائماً مبتسمة وتقضي أوقاتاً كثيرة في خدمة الآخرين، ولم أتحقَّق من أمر حياتها“. وسألني بهدوء: ”هل تريدين أن تُجرِّبي حِمْلاً آخر“؟
وجرَّبتُ أحمالاً متعددة. فحِمْل ”بولا“ أحسست به ثقيلاً، فقد كانت تربِّي 4 أطفال صغار محرومين من الأب. أما ”مارسيل“ فقد عانت في طفولتها من خبرات سيئة، وهي تعاني الآن من زواج مليء بالمصاعب. وحينما جرَّبتُ حِمل ”راعوث“، لم أستطع ولا حتى احتماله، لأني وجدتُ بداخلها التهاباً مزمناً في المفاصل، مع تقدُّم في العمر، ووظيفتها تستدعي العمل طيلة النهار؛ أما زوجها الذي تحبه فهو مُودَع في دار إيواء المسنِّين. فصرختُ إلى الرب قائلة: ”إنها كلها أحمال ثقيلة جداً، يا رب، أرْجِعْ إليَّ حِمْلي“.
وحالما رفعتُ مرةً أخرى الحِمْل العادي الذي كان لي، بدا لي أنه أخفُّ كثيراً من أحمال الآخرين. فقال لي الرب: ”فلننظر إلى ما بداخله“. فأشحتُ بوجهي وأنا ممسكة به مغلقاً، وقلتُ: ”لا، إنها فكرة غير جيدة“. فسألني: ”لماذا“؟ فأجبتُ: ”إن فيه نفايات كثيرة“. فقال: ”دعيني أنظر“. واضطرني صوته الهادئ ولكن القوي أن أفتح حِمْلي. فأخرج منه حجراً، وقال: ”خبِّريني عن هذا الحجر“.
فرددتُ: ”يا رب، أنت تعرف إنه المال. فنحن لا نُعاني مثل الناس التي تعاني في بعض البلاد أو في الأحياء الفقيرة. ولكن ليس عندنا بوليصة تأمين، تؤمِّن لنا مصاريف طبيب لأطفالنا حينما يمرضون، حتى أننا قلَّما نأخذهم للطبيب، وعمرهم ما ذهبوا إلى طبيب الأسنان. وأنا أتعب في حياكة ملابسهم بيديَّ“.
فقال لي: ”يا ابنتي، أنا كفيلٌ بسدِّ كل احتياجاتك، واحتياجات أطفالك. لقد منحتُهم أجساماً صحية. وسوف أُعلِّمهم أن الملابس غالية الثمن ليست هي التي تجعلهم ذوي قيمة في نظري“.
ثم أخرج عنصراً آخر في حِملْي، فإذا به ”أندرو“. فخبَّأتُ وجهي بين يديَّ خَجِلَة من أن أدَّعي أن ابني هو حِمْل ثقيل عليَّ. فقلتُ له: ”لكنه، يا رب، شقي جداً. إنه لا يهدأ مثل أخويه الاثنين. إنه يُتعبني جداً. إنه دائماً يتسبَّب في الأذى، ودائماً أصيح فيه، وأحياناً أضربه“.
فردَّ عليَّ: ”يا ابنتي، إن كنتِ تثقين فيَّ، فسوف أُجدِّد قوتك. وإن أعطيتني الفرصة لأملأك من روحي القدوس، فسوف أُعطيكِ صبراً“.
ثم مدَّ يده وأخرج بعض الحَصَى من بؤجة حِمْلي. فتأوَّهتُ: ”نعم، يا رب، إنها حقاً صغيرة، لكنها مهمة. فإني أكره شعري، إنه سميك، فلا يمكنني أن أجعله حسن المنظر! كما أني لستُ قادرة للذهاب إلى الكوافير! كما أني زائدة في الوزن وليس في مقدوري أن أعيش على نظام التغذية. إني أكره كل ملابسي، أكره منظري“!
فردَّ: ”يا ابنتي، الناس ينظرون إلى المنظر الخارجي، أما أنا فأنظر إلى قلبكِ. لكن روحي القدوس إذا ملأكِ، فسيمكنكِ أن تضبطي طعامك فتُنزلي وزنكِ. إن جمالكِ لن يكون هو المنظر الخارجي، بل هو إنسانك الباطن الذي سمَّاه بطرس الرسول: «إنسان القلب الخفي»، والزينة هي "زينة نفس وديعة مطمئنة لا تذبل، وثمنها عندي عظيم" (1بط 3: 4،3)“.
وبدأ حِمْلي الآن يزداد خفة عن ذي قبل، فقلتُ: ”أظن أني الآن يمكنني حِمْله“. لكنه عاد يقول لي: ”عندكِ المزيد، سلِّميني هذا الحجر الأخير“.
فقلتُ: ”ياه، لا تأخذه، يا رب. فلا يمكنني إعطاءه لك“.
فردَّ بصوته الهادئ ولكن القوي: ”يا بُنيَّتي، هاته“.
ومدَّ يده ليأخذه، ولأول مرة أرى الجُرح المتقيِّح.