الروح القدس في صلوات الكنيسة
في مقاربتنا لهذا الموضوع سنكتفي بدراسة اثنين من الصلوات التي تصليهما الكنيسة للروح القدس هما: "أيها الملك السماوي..." و"لما نزل العلي وبلبل الألسن..."
وسنعتمد في هذه الدراسة ثلاثة أنواع من الملاحظات هي:
1. ملاحظات أدبية - بنيوية
2. ملاحظات كتابية - لاهوتية
3. ملاحظات ليتورجية - روحية
الصلاة الأولى
" أيها الملك السماوي، المعزي روح الحق، الحاضر في كل مكان والمالئ الكل، كنزُ الصالحات وواهب الحياة، هُلمَّ واسكن فينا، وطهِّرنا من كُلِّ دنس، وخلِّص أيها الصالح نفوسَنا"
1. ملاحظات بنيوية أدبية :
استناداً إلى قراءة أولى، باستطاعتنا أن نقسم هذه الصلاة إلى قسمين استناداً إلى الملاحظات البنيوية الأدبية التالية.
آ – في القسم الأول: لدينا سبع صفات للروح القدس، تذكِّرنا بمواهب الروح القدس السبع. والسبعة دلالة على الكمال: حكمة – فهم – مشورة – قوّة – علم – تقوى (المخافة) الملك السماوي – المعزي – روح الحق – الحاضر في كل مكان – والمالئ الكل – كنز الصالحات – وواهب الحياة
ب- في هذه الصفات طابع شمولي: تستعمل الصلاة في هذا القسم وزن الفاعل، والفاعل يعني ديمومة الفعل: المعزي – الحاضر – المالئ – الواهب...
لاحظ في القسم الأول من الصلاة، لا يستعمل المصلي الأفعال ويكتفي باسم الفاعل لكي يصف عمل الروح القدس الدائم والمستمر والذي يطال حياة الإنسان في كل وجوهها.
ج- شمولية المكان وشمولية الزمان: إن الروح حاضر في كل مكان، ولا يخفى عليه شيء. إنه حاضر في كل مكان وكأن في ذلك دلالة على انتشاره على سطح الكون، ولكن في الوقت نفسه إنه مالئ الكل، إنه ينفذ إلى صميم الوجود، والكائنات وبالنهاية إن مكانه في قلب الإنسان. فالروح هو في كل مكان، وهو أيضاً في كل زمان، لأن زمان الروح هو الديمومة والاستمرار كما أشرنا إلى ذلك في استعمال اسم الفاعل.
د- فالقسم الأول من الصلاة هي صلاة تسبيح للروح القدس. وكل صلاة في الكتاب المقدس تبدأ بالتسبيح، وتسبيح الله هو دعوة الإنسان الأساسية، لأن الإنسان خلق من أجل أن يخدم الله ويحبه ويسبحه. تلك هي دعوة الإنسان في البداية والنهاية.
لذلك واستناداً إلى المؤشرات الأدبية التي قدّمناها، نستطيع القول، إنّ القسم الأول من الصلاة هي صلاة تسبيح يرفعها الإنسان للروح القدس، ويسبح الإنسان الله لكي يعترف بمواهبه وعطاياه في حياته.
ﻫ- القسم الثاني من الصلاة: هلّم واسكن فينا – وطهرنا من كل دنس- وخلص أيها الصالح نفوسنا.
لاحظ أولاً استعمال فعل الأمر بشكل مكثف 1 + 3؛ وفي القسم الثاني تتحول الصلاة إلى توسل، إلى طلب: اسكن، طهّر، خلّص.
فاكتشاف بنية هذه الصلاة القائمة على التسبيح والتوسل هو أمر هام لأنها بنية أساسية في الكتاب المقدس عامة وفي سفر المزامير خاصة.
2. ملاحظات كتابية لاهوتية
راجع حك 7 / 22 / 30
9 / 10 – 11
9 / 17
في هذا القسم سوف نتوقف عند معطيات كتابية – لاهوتية تساعدنا على التعمق أكثر في معاني هذه الصلاة.
إنّ من صفات الله الأساسية في الكتاب المقدس عندنا الله الخالق.
نفتح الكتاب المقدس ونبدأ بقراءة سفر التكوين، في الفصول الأولى فنتعرف إلى الله الذي يخلق العالم ويتوجه بخلق الإنسان الذي فيه ينفخ روحه.
مفهوم الخلق في الكتاب المقدس هو حقيقة أساسية، وصفة الله الخالق هي ما نجده أيضاً في سائر الديانات، والإسلام يشدد عليها كثيراً في حديثه عن الله.
والأهم في الكتاب المقدس هو أن حقيقة الخلق هي في علاقة مع الخلاص. فإن الله الخالق هو في فعل خلقه مُخلِّص للإنسان، ويتم هذا الخلاص في مسيرة التاريخ الطويلة. ولذلك يقول اللاهوتيون: إن الله يخلّص وهو يخلق، ويخلق ثانية عندما يخلّص.
في الكتاب المقدس إذاً، وفي علم اللاهوت، هناك علاقة وثيقة بين الخلق والخلاص، وكأني بالوحي يقول لنا إن هاتين الحقيقتين مترابطتان، ولا تفهم الواحدة من دون الأخرى.
استناداً إلى ما قلنا، لاحظ أن القسم الأول من صلاتنا الموجهة إلى الروح القدس، بعد أن تصف الروح بأشكال مختلفة نختم بمواهب الحياة، وواهب الحياة، هو الله الخالق.
في القسم الثاني من الصلاة، يطلب المصلي من الروح القدس أن يكون فاعلاً في حياته الحاضرة اليوم: فعل الأمر= الحاضر= الآن: اسكن – طهّر – خلّص.
وكأنّ فعل خلّص هو القمة التي تحتوي الفعلين السابقين، كما أن صفة واهب الحياة تحتوي على الصفات التي وجدناها في القسم الأول من الصلاة.
قوّة الصلاة تأتي من تأصّلها اللاهوتي الكتابي، ومن اختزالها لمعاني الإيمان العميقة في كلمات قليلة. وهذا ما يجعلنا نكتشف جمالها وفعاليتها في حياتنا.
3. ملاحظات روحية:
الروح القدس يكمّل خلاص يسوع فينا الآن وهنا في التاريخ؛ إنه بالاتحاد بالأب والروح القدس يخلق خلقاً جديداً ويخلّص.
الصلاة الثانية
"لمّا نزل العلي وبلبل الألسن قسّم الأمم وحين وزّع الألسن النارية، دعا الجميع إلى الوحدة. فنمجد الروح القدس باتفاق الأصوات" تك 11 / 1 – 9
1. ملاحظات بنيوية - أدبية :
لدينا ثلاثة أقسام في هذه الطروبارية المخصصة لزمن العنصرة.
القسم الأول: خلاصة قصة برج بابل تك 11 / 1 – 9 المفردات مأخوذة كلها من سفر التكوين وبكلمات قلائل تلخص قصة بابل، بل كل العهد القديم، وتاريخ الإنسانية.
القسم الثاني: في القسم الثاني ننتقل إلى مشهد العنصرة، حلول الروح القدس على التلاميذ في العلّية في أعمال الرسل2
القسم الثالث: هو دعوة إلى تمجيد الروح القدس باتفاق الأصوات، لأن الروح القدس نفسه الذي يرسله المسيح هو دعوة إلى الوحدة ووحدة الجميع.
2. ملاحظات لاهوتية - كتابية
- العهد القديم : بابل
- العهد الجديد : أورشليم الجديدة – الكنيسة
بابل: الكبرياء بناء البرج يقود دائماً إلى الانقسام والتفرّق على وجه الأرض.
يتكلمون اللغة نفسها ولا يتفاهمون.
الروح الذي يهبه يسوع بعد القيامة والذي يحل على كل واحد من التلاميذ تحت شكل ألسن نارية، هو روح وحدة، روح شركة، روح مسامحة، روح تقبل الآخر.
لاحظ أهمية فهم اللغات: التكلم باللغات، إيصال الكلمة، كلمة الخلاص، والناس المختلفون يفهمون لغة المحبة والمصالحة التي أعطانا إياها يسوع بموته وقيامته...
3. ملاحظات روحية :
إن الروح القدس يعلّمنا أن نتكلم بلغة المحبة والصدق، يعطينا اتضاع يسوع الذي هو قوّة قبول الآخر المختلف، قوّة تحملنا دائماً على البحث عن تمجيد الله في الكنيسة، وندعو الأمم الغريبة أيضاً إلى مشاركتنا التمجيد.
عن جمعية التعليم المسيحي