التامل:
لا توجد حدود تفصل بين الهذيذ والتامل فالدرجتان متداخلتان عمليا. وحياة التامل يستطيع عليها النساك والعلمانين . والتامل فى لغة الانجيل يعبر عنه بالتفاته عقليه فيها يتوجه العقل مع حقيقة جديدة فائقة عن المعرفة العادية
والادراك الطبيعى اى انه فى لغة الانجيل هو وسيلة ايمانية عالية
وهذا المعنى نواجهه فى المواضع الاتية :
1.رؤية امور غير عادية تنم عن حقيقة ممثله يكون من نتيجتهاحدوث تامل ادراكى ينتهى الى اكتشاف الحقيقه مثل عندما ابصر يطرس الاكفان.
2. رؤية مخلوقات غير عاديه تجعل العقل يدخل فى معرفة جديده غير مألوفه وغير عاديه .
3. رؤية اشخاص فى حالة قيامه حيث تكون حالتهم غير طبيعيه .
غير ان المعرفه المتحصله من التأمل فى هذه الحالات لا تكون معرفه عاديه يمكن البرهنه عليها بالمنطق العقلى لانها تكون فائقه على كل خبرات الانسان الحسيه . وهناك نوعان من التأمل يفرق بينهم الكتاب المقدس : التأمل الواعى وتاوريه ، التأمل أثناء الغبويه الروحيه ( ابو كالبسيس ) . وبقدر ما يحتاج التأمل الى هدوء شامل فى القوى العقليه لان فى الهذيذ يجرى العقل وراء الحقيقه . أما فى التأمل فالحقيقه هى التى تبتدى تحيط بالعقل . لكى تكون النفس صاحيه وساهره حتى تؤهل لتأمل لابد من امران :
1. ان تكون النفس غير مستعبده لخطايا معينه او شهوات .
2. ان تهدأ النفس وتكف عن كل إهتمامتها وتتخلى من اعتمادها على نفسها وعقلها.
ولكن الانسان لا يبلغ الصلاه الطاهره بمجرد دخوله فى التأمل بل هى تمثل آخر مرحله من مراحل الجهاد المتواصل أثناء التأمل . ولابد أن يعبر الانسان على فترات طويله فى صلواته وتأملاته يتشابك فيها الذهن مع الحق الإلهى . ولكن بالرغم من بساطه التأمل واعتماده الكلى على الهدوء فإن كثيرا من النفوس يتعذر عليها هذه البساطه لذلك لزم فى مثل هذه الاحوال ان تتدرب النفس على ما يؤهلها للدخول فى التأهلويسمى التأمل بالاراده وغايته هو الحصول على درجه من الهدوء الداخلى وهو عمليه توصل إلى استعداد حقيقى لقبول حالة تأمل كامل والتدريب هو تدريب صلاة يسوع . حيث يرددها الانسان بإستمرار بدون انقطاع ساعات طويله فى اليوم . والغايه منه هو الدخول إلى حالة السكينه الروحيه .
والتأمل على نوعين : الاول : وهو الارادى ويعتمد على المجهود البشرى فى البدء به ولكنه يحتاج الى مؤازره النعمه للاستمرار فيه .
الثانى: موهبه كامله من النعمه للبدء فيه والاستمرار فيه وهو يمتد الى حالات ما فوق الصلاه .
الدخول الى التأمل :
1. يلزم ان يكون الانسان غير مستعبد للخطايا والشهوات وبالهذيذ يسهل علينا ذلك وزلابد من بذل الجهد فى التلمذه واعمال النسك والفضيله وإنكار الذات والانتصار على الاهواء .
2. اخضاع الفكر لان هدوء الفكر عن الجولان عامل هام للدخول الى التأمل .ولاننا لا نستطيع أن نصل الى الله الا فى اعماق نفوسنا.
3. أن يكون هناك دافع من الحب .
حالة التأمل :
يأتى وقت على الذى يداوم الهذيذ يشعر فيه انه انتدأ يتخلى عن اعتماده على استحداث الانتباه الروحى داخله . فبمجرد استعداده الداخلى لمباشرة الصلاه العقليه يجد نفسه قد دخل فىعمق الصلاه وتركزت مشاعره وانجمع عقله وهنا نكون قد وصلنا الى عتبة التأمل.وبذلك تكون الصلاه قد أصبحت طبيعيه ولا تحتاج الى استحداث شٍئ ما من أى نوع . لان ذلك يدل على توطد العلاقه بيننا وبين الله . فبمجرد ان تهدأ نفسك للصلاه وتكون حواسك مهتديه اليك وعقلك متجمعا الى ذاته تتسلل النفس قليلا لتتحرر من هذه الحواس جميعا ومن شغب العقل أيضا وكأنما هى ترتفع عن الجسد فتتأمل فى ذاتها ملتصقه بإحدى الحقائق الروحيه اوصفات الله وفى اثناء سيرها تصادفها اشياء جديده وحقائق عجيبه ، ولكن إذا توقف العقل فى اثناء تطوافه الهين السهل وأخذ يبحث فى إحدى الحقائق المعروضه عليه فإن التأمل يقف فى الحال . لذلك فى إبتدائنا بالصلاه سواء بالهذيذ أو بالتأمل ، بمجرد أن يشتعل القلب بالحب وترى فى النفس لذة الانطلاق علينا أن نضع جانبنا كل الوسائل التى نستخدمها فى الصلاه ونصمت هادئين وننتظر انطلاق النفس والدخول فى درجة التأمل . وهكذا نكون قد انتقلنا الى الصلاه بالروح فبدل ان كنا نحدث الله بكلامنا ومشاعرنا وقفنا نحن امامه ليتحدث هو الينا بإمور لا ينطق بها . وحينما نتقدم فى التأمل قليلا قليلا يصبح استعداد العقل والحواس والقلب للدخول فى التأمل أمرا إعتياديا لذيذا نسعى اليه كل حين فى يسر بغير عناء . وبذلك تصبح صلانتا حاره وملتهبه حبا وشوقا ويصبح وجود الله حقيقه ملموسه للنفس.
انهاء التأمل :
ينتهى التأمل ولكن بعض آثاره تستمر فى النفس عدة ايام : هدوء يشمل الاعضاء جميعا فكل حركه يأتيها الانسان تكون بطيئه والتفكير برويه وإعراض كثيره عن الاشتراك فى الحديث . وفى هذه المده ربما تتطرر حالات الدخول الى التأمل وقد لا تأتى للانسان مره اخرى إلا بعد سنين .
اقوال الاباء عن التأمل :
يقول القديس غريغوريوس الكبير : " يقال ان التأمل ما هو إلا اشعاع من نور المدينه السماويه . حيث يغلب على العقل ان يبفى معلقا فى ذلك التأمل الالهى مبتهجا بما يدركه من مناظر الابديه المطلقه التى لم تراها عين ولم تسمع بهها أذن "
ويقول مار اسحق السريانى : " صلاة اللسان مفتاح لصلاة القلب ، وصلاة القلب يكون بعدها الدخول الى الكنز ، حيث لا يكون صلاه ولا دموع ولا تضرع لان العقل وجميع الحواس تتخلف اذ تكون الروح قد دخلت الى التاوريا الروحانيه . "